كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



بين تعالى أن الكرامة بقدر التقوى، والتقوى بقدر العلم لا بقدر العمل، فمن ازداد منه علمًا ازداد منه خشية وخوفًا، ومن كان علمه به أقل كانت خشيته أقل، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية» وقال صلى الله عليه وسلم «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا».
وقال مسروق: كفى بالمرء علمًا أن يخشى، وكفى بالمرء جهلًا أن يعجب بعمله، وقال رجل للشعبي: أفتني أيها العالم فقال له: العالم من خشي الله تعالى، قال السهروردي في الباب الثالث من معارفه: فينتفي العلم عمن لا يخشى الله تعالى كما إذا قال إنما يدخل الدار بغدادي فينتفي دخول غير البغدادي الدار، وقيل: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقد ظهرت عليه الخشية حتى أثرت فيه، فإن قيل: هل يختلف المعنى إذا قدم المفعول في هذا الكلام أو أخر؟
أجيب: بأنه يختلف فإنك إذا قدمت اسم الله وأخرت العلماء كان المعنى إن الذين يخشون الله من بين عباده هم العلماء دون غيرهم، فإذا عملت على العكس انقلب المعنى إلى أنهم لا يخشون إلا الله كقوله تعالى: {ولا يخشون أحدًا إلا الله} وهما معنيان مختلفان.
تنبيه:
رسم العلماء بالواو وقوله تعالى: {إن الله} أي: المحيط بالجلال والإكرام {عزيز} أي: غالب على جميع أمره {غفور} أي: لذنوب من أراد من عباده تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصرّ على طغيانه غفور للتائب عن عصيانه، والمعاقب والمثيب حقه أن يخشى.
ولما بين سبحانه العلماء بالله وخشيتهم وكرامتهم بسب خشيتهم ذكر العالمين بكتاب الله العاملين بما فيه بقوله تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله} أي: يداومون على تلاوته وهي شأنهم وديدنهم، وعن مطرف: هي آية القراء، وعن الكلبي: يأخذون بما فيه، وقيل: يعلمون ما فيه ويعملون به، وعن السدي: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عطاء: هم المؤمنون {وأقاموا الصلاة} أي: أداموها {وأنفقوا مما رزقناهم} من زكاة وغيرها {سرًا وعلانية} قيل: السر في المسنون والعلانية في المفروض.
تنبيه:
أشار تعالى بقوله سبحانه وتعالى: {يتلون كتاب الله} إلى الذكر وبقوله تعالى: {وأقاموا الصلاة} إلى العمل البدني وبقوله تعالى: {وأنفقوا مما رزقناهم} إلى العمل المالي، وفي هاتين الآيتين الشريفتين حكمة بالغة وهي أن قوله تعالى: {إنما يخشى الله} إشارة إلى عمل القلب وقوله تعالى: {الذين يتلون} إشارة إلى عمل اللسان وقوله: {وأقاموا الصلاة} إشارة إلى عمل الجوارح ثم إن هذه الأشياء الثلاثة متعلقة بجانب تعظيم الله تعالى وقوله تعالى: {وأنفقوا مما رزقناهم} بمعنى الشفقة على خلقه وقوله تعالى: {سرًا وعلانية} حث على الإنفاق كيفما تهيأ، فإن تهيأ سرًا فذاك وإلا فعلانية ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء فإن ترك الخير مخافة ذلك هو عين الرياء.
ولما أحل تعالى هؤلاء بالمحل الأعلى بين حالهم بقوله تعالى: {يرجون} أي: في الدنيا والآخرة {تجارة} أي: بما عملوا {لن تبور} أي: تكسد وتهلك بل هي باقية؛ لأنها رفعت إلى من لا تضيع إليه الودائع وهي رائجة رابحة لكونه تعالى تام القدرة شامل العلم له الغنى المطلق.
{ليوفيهم أجورهم} أي: جزاء أعمالهم بالثواب {ويزيدهم من فضله} قال ابن عباس رضي الله عنه: يعني سوى الثواب ما لم تر عين ولم تسمع أذن، ويحتمل أن يزيدهم النظر إليه تعالى كما جاء في تفسير الزيادة وهذا هو النعمة العظمى {إنه غفور شكور} قال ابن عباس رضي الله عنه: يغفر الذنب العظيم من ذنوبهم ويشكر اليسير من أعمالهم، وقيل: غفور عند إعطاء الأجر شكور عند إعطاء الزيادة.
تنبيه:
في خبر إن من قوله: {إن الذين يتلون كتاب الله} وجهان: أحدهما: أنه الجملة من قوله تعالى: {يرجون} تجارة أي: إن التالين يرجون، ولن تبور صفة تجارة، وليوفيهم متعلق ب يرجون أو تبور، أو بمحذوف أي: فعلوا ذلك ليوفيهم، وعلى الوجهين الأولين يجوز أن تكون لام العاقبة. والثاني: أن الخبر إنه غفور شكور جوز هذا الزمخشري على حذف العائد أي: غفور لهم وعلى هذا فيرجون حال من أنفقوا أي: أنفقوا ذلك راجين.
ولما بين تعالى الأصل الأول وهو وجود الله تعالى الواحد بالدلائل في قوله تعالى: {الله الذي يرسل الرياح} وقوله تعالى: {والله خلقكم} وقوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء} ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة بقوله تعالى: {والذي أوحينا} أي: بما لنا من العظمة {إليك من الكتاب} أي: الجامع خيري الدارين.
تنبيه:
{من الكتاب} يجوز أن تكون من للبيان كما يقال: أرسل إلى فلان من الثياب جملة، وأن تكون للجنس، وأن تكون لابتداء الغاية كما يقال: جاءني كتاب من الأمير، وعلى كل فالكتاب يمكن أن يراد به اللوح المحفوظ يعني: الذي أوحينا من اللوح المحفوظ {هو الحق} أي: الكامل في الثبات ومطابقة الواقع، ويمكن أن يراد به القرآن وهو ما اقتصر عليه الجلال المحلي يعني: الإرشاد والتبيين اللذين أوحينا إليك من القرآن، ويمكن أن تكون من للتبعيض وهو فصل أو مبتدأ وقوله تعالى: {مصدقًا لما بين يديه} أي: لما تقدمه من الكتب حال مؤكدة؛ لأن الحق لا ينفك عن هذا التصديق وهذا تقرير لكونه وحيًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يكن قارئًا كاتبًا وأتى ببيان ما في كتاب الله لا يكون ذلك إلا بوحي من الله تعالى، فإن قيل: لم يجعل ما تقدم مصدقًا للقرآن؟
أجيب: بأن القرآن كونه معجزة يكفي تصديقه بأنه وحي وأما ما تقدم فلابد فيه من معجزة تصدقه.
تنبيه:
قوله تعالى: {هو الحق} آكد من قول القائل الذي أوحينا إليك حق من وجهين: أحدهما: أن التعريف للخبر يدل على أن الأمر في غاية الظهور؛ لأن الخبر في الأكثر يكون نكرة. الثاني: أن الإخبار في الغالب يكون إعلامًا بثبوت أمر لا يعرفه السامع كقولنا: زيد قام فإن السامع ينبغي أن يكون عارفًا ولا يعلم قيامه فيخبر به، فإذا كان الخبر معلومًا فتكون الأخبار للنسبة فتعرف باللام كقولنا: إن زيدًا العالم في هذه المدينة إذا كان علمه مشهورًا.
{إن الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال {بعباده لخبير} أي: عالم أدق العلم وأتقنه ببواطن أحوالهم {بصير} أي: بظواهر أمورهم وبواطنها أي: فهو يسكن الخشية والعلم في القلوب على قدر ما أوتوا من الكتاب في علمه، فأنت أحقهم بالكمال؛ لأنك أخشاهم وأتقاهم فلذلك آتيناك هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب، وتقديم الخبير للدلالة على أن العمدة في ذلك الأمور الروحانية وقوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب} في معناه وجهان: أحدهما: إنا أوحينا إليك القرآن ثم أورثناه من بعدك أي: حكمنا بتوريثه أو قال تعالى: {أورثنا} وهو يريد نورثه فعبر عنه بالماضي لتحققه وقال مجاهد: أورثنا أعطينا؛ لأن الميراث إعطاء واقتصر على هذا الجلال المحلي، وقيل: أورثنا أخرنا ومنه الميراث؛ لأنه تأخر عن الميت ومعناه: أخرنا القرآن من الأمم السالفة وأعطيناكموه وأهلناكم له.
تنبيه:
أكثر المفسرين على أن المراد بالكتاب القرآن، وقيل: إن المراد جنس الكتاب {الذين اصطفينا} أي: اخترنا {من عبادنا} قال ابن عباس رضي الله عنه: يريد بالعباد أمة محمد صلى الله عليه وسلم أي: من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة، ونقل ابن الجوزي عن ابن عباس رضي الله عنه أن الله تعالى أورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم كل كتاب أنزله أي: لأن الله تعالى اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطًا ليكونوا شهداء على الناس، وخصهم بكرامة الانتماء إلى أفضل رسله تعالى، وحمل الكتاب الذي هو أفضل كتب الله تعالى، ثم قسمهم بقوله تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه} أي: في التقصير بالعمل به {ومنهم مقتصد} أي: يعمل به في أغلب الأوقات {ومنهم سابق بالخيرات} وهو من يضم إلى العمل به التعليم والإرشاد إلى العمل.
روى أسامة بن زيد في هذه الآية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلهم من هذه الأمة». وروى أبو عثمان النهدي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ على المنبر {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} الآية فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له» وروى أبو الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب} الآية.
قال: أما السابق بالخيرات فيدخل الجنة بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حسابًا يسيرًا، وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام حتى يدخله الهم ثم يدخل الجنة، ثم قرأ قوله تعالى: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} الآية.
وقال عقبة بن صهبان: سألت عائشة رضي الله عنها عن قول الله عز وجل {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} الآية فقالت: يا بني كلهم في الجنة أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق بهم، وأما الظالم فمثلي ومثلكم فجعلت نفسها معنا، وقال مجاهد والحسن: فمنهم ظالم لنفسه هم أصحاب المشأمة، ومنهم مقتصد هم أصحاب الميمنة، ومنهم سابق بالخيرات السابقون المقربون من الناس كلهم.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: السابق المؤمن المخلص، والمقتصد المرائي والظالم الكافر نعمة الله تعالى غير الجاحد لها؛ لأنه تعالى حكم للثلاثة بدخول الجنة.
وقيل: الظالم هو الراجح السيئات، والمقتصد هو الذي تساوت سيئاته وحسناته، والسابق هو الذي رجحت حسناته، وقيل: الظالم هو الذي ظاهره خير من باطنه، والمقتصد من تساوى ظاهره وباطنه، والسابق من باطنه خير من ظاهره، وقيل: الظالم هو الموحد بلسانه الذي تخالفه جوارحه، والمقتصد: هو الموحد الذي يمنع جوارحه من المخالفة بالتكليف، والسابق هو الموحد الذي ينسيه التوحيد غير التوحيد.
وقيل: الظالم صاحب الكبيرة، والمقتصد صاحب الصغيرة، والسابق المعصوم، وقيل: الظالم التالي للقرآن غير العالم به والعامل به، والمقتصد التالي العالم غير العامل، والسابق التالي العالم العامل، وقيل: الظالم الجاهل، والمقتصد المتعلم، والسابق العالم.
وقال جعفر الصادق: بدأ بالظالم إخبارًا بأنه لا يتقرب إليه إلا بكرمه وإن الظلم لا يؤثر في الاصطفاء، ثم ثنّى بالمقتصد؛ لأنه بين الخوف والرجاء، ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكره وكلهم في الجنة، وقال أبو بكر الوراق: رتبهم هذا الترتيب على مقامات الناس؛ لأن أحوال العبد ثلاثة: معصية وغفلة، ثم توبة، ثم قربة، فإذا عصى دخل في حياز الظالمين، فإذا تاب دخل في جملة المقتصدين، فإذا صحت التوبة وكثرت العبادة والمجاهدة دخل في عداد السابقين، وقيل غير ذلك والله أعلم.
ولما كان هذا ليس في قوة العبد في مجاري العادات ولا يوجد بالكسب والاجتهاد أشار إلى عظمته بقوله تعالى: {بإذن الله} أي: بتمكين من له القدرة التامة والعظمة العامة والفعل بالاختيار وجميع صفات الجمال والجلال والكمال وتسهيله وتيسيره، لئلا يأمن أحد مكره تعالى، قال الرازي في اللوامع: ثم من السابقين من يبلغ محل القرب فيستغرق في وحدانيته تعالى: {ذلك} أي: إيراثهم الكتاب أو السبق أو الاصطفاء {هو الفضل الكبير}.
ولما ذكر الله سبحانه وتعالى أحوالهم بين جزاءهم ومالهم بقوله تعالى مستأنفًا جوابًا لمن سأل عن ذلك:
{جنات عدن} أي: إقامة بلا رحيل؛ لأنه لا سبب للترحيل عنها وقوله تعالى: {يدخلونها} أي: الثلاثة أصناف، خبر جنات عدن ومن دخلها لم يخرج منها؛ لأنه لا شيء يخرجه ولا هو يريد الخروج منها، وقرأ أبو عمرو بضم الياء وفتح الخاء، والباقون بفتح الياء وضم الخاء.
ولما كان الداخل إلى مكان أول ما ينظر إلى ما فيه من النفائس قال تعالى: {يحلون فيها} أي: يلبسون على سبيل التزين والتحلي {من أساور} أي: بعض أساور {من ذهب} فمن الأولى للتبعيض، والثانية للتبيين وقوله تعالى: {ولؤلؤ} عطف على ذهب أي: من ذهب مرصع باللؤلؤ، أو من ذهب في صفاء اللؤلؤ، وقرأ عاصم ونافع بالنصب عطفًا على محل من أساور، والباقون بالجر.
تنبيه:
أساور جمع أسورة وهي جمع سوار، وذكر الأساور من بين سائر الحلي في مواضع كثيرة كقوله تعالى: {وحلوا أساور من فضة}.
يدل على كون المتحلي غير مبتذل في الأشغال؛ لأن كثرة الأعمال باليد فإذا حليت بالأساور على الفراغ من الأعمال، ولما كانت هذه الزينة لا تليق إلا على اللباس الفاخر قال تعالى: {ولباسهم فيها حرير}.
{وقالوا} أي: ويقولون عند دخولهم، وعبر عنه بالماضي تحقيقًا له {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: حزن النار، وقال قتادة: حزن الموت وقال مقاتل: لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع بهم، وقال عكرمة: حزن السيئات والذنوب وخوف رد الطاعات، وقال القاسم: حزن زوال النعم وخوف العاقبة، وقيل: حزن أهوال القيامة، وقال الكلبي: ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة، وقال سعيد بن جبير: الحزن في الدنيا، وقيل: همّ المعيشة، وقال الزجاج: أذهب الله تعالى عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو معاد أي: وهذا أولى الكل قال عليه الصلاة والسلام: «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن}».
ثم قالوا {إن ربنا} أي: المحسن إلينا مع إساءتنا {لغفور} أي: محّاء للذنوب عينًا وأثرًا للصنفين الأولين ولغيرهما من المذنبين {شكور} للصنف الثالث ولغيره من المطيعين.
تنبيه:
ذكر الله تعالى عن هذه الثلاثة ثلاثة أمور كلها تفيد الكرامة، الأول: قولهم {الحمد لله} فإن الحامد يثاب. الثاني: قولهم {ربنا} فإن الله تعالى إذا نودي بهذا اللفظ استجاب للمنادي ما لم يكن يطلب ما لا يجوز. الثالث: قولهم {غفور شكور} والغفور إشارة إلى ما غفر لهم في الآخرة بحمدهم في الدنيا، والشكور إشارة إلى ما يعطيهم الله ويزيدهم بسبب حمدهم في الآخرة. وقولهم:
{الذي أحلنا دار المقامة} أي: الإقامة إشارة إلى أن الدنيا منزلة ينزلها المكلف ويرتحل منها إلى منزلة القبور، ومن القبور إلى منزلة العرصة التي فيها الجمع ومنها التفريق إلى دار البقاء، إما إلى الجنة، وإما إلى النار أجارنا الله تعالى ومحبينا منها. وقولهم {من فضله} أي: بلا عمل منا فإن حسناتنا إنما كانت منًا منه تعالى إذ لا واجب عليه، متعلق بأحلنا، ومن إما للعلة، وإما لابتداء الغاية.
وقولهم {لا يمسنا فيها} أي: في وقت من الأوقات {نصب ولا يمسنا فيها لغوب} حال من مفعول أحلنا الأول أو الثاني، لأن الجملة مشتملة على ضمير كل منهما، وإن كان الحال من الأول أظهر، والنصب التعب والمشقة، واللغوب الفتور الناشيء عنه، وعلى هذا فيقال: إذا انتفى السبب انتفى المسبب، فإذا قيل: لم آكل فيعلم التغاء الشبع فلا حاجة إلى قوله ثانيًا فلم أشبع بخلاف العكس، ألا ترى أنه يجوز لم أشبع ولم آكل والآية الكريمة على ما تقرر من نفي السبب ثم نفي المسبب فما فائدته؟
أجيب: بأن النصب هو تعب البدن واللغوب هو تعب النفس، وقيل: اللغوب الوجع وحينئذ فالسؤال زائل، وأجاب الرازي بجواب قال ابن عادل: ليس بذاك فتركته.